بیان المحقق الصدر!
قال المحقق الصدر!: الملكية العامة للأمّة تتّفق في الجوهر و المغزى الاجتماعي مع ملكية الدولة، و إن كانت ملكية الدولة أرحب منها و أوسع؛ لأنّ ملكية الأمّة بالرغم من كونها عامّة داخل نطاق الأمّة، لكنّها خاصة بالأمّة على أيّ حال، و لا يجوز استخدامها إلاّ في مصالحها العامة.
و أمّا ملكية الدولة فيمكن للإمام استثمارها في نطاق أوسع، فالعمل السياسي الجماعي بالنسبة إلى الأراضي العامرة التي فتحها المسلمون، أنتج وضعها في نطاق إسلامي، بدلاً عن نطاق إنساني أوسع، و لم يخرجها عن طابع اللافردية في الملكية على أيّ حال، و إنّما تخرج الأرض عن هذا الطابع، و تخضع لمبدأ الملكية الخاصة، حين يكون العمل السياسي عملاً فردياً، كإسلام الأفراد على أراضيهم طوعاً.([1])
[مصداق الملكیة الخاصة لرقبة الأرض في بیان آخر للمحقق الصدر!:]
إنّ المجال الأساسي للملكية الخاصة لرقبة الأرض في التشريع الإسلامي، هو ذلك القسم من الأرض الذي كان ملكاً لأصحابه، وفقاً لأنظمة عاشوها قبل الإسلام، ثمّ استجابوا للدعوة و دخلوا في الإسلام طوعاً أو صالحوا، فإنّ الشريعة تحترم ملكيّاتهم، و تقرّهم على أموالهم.
و أمّا في غير هذا المجال فالأرض تعتبر مِلكاً للإمام و لا تعترف الشريعة بتمّلك الفرد لرقبتها، و إنّما يمكن للفرد الحصول على حقّ خاص فيها عن طريق الإعمار و الاستثمار، كما مرّ في رأي الشيخ الطوسي!، و هذا الحقّ و إن كان لا يختلف عملياً في واقعنا المعاش عن الملكية، و لكنّه يختلف عنها نظرياً؛ لأنّ الفرد ما دام لا يملك رقبة الأرض و لا ينتزعها من نطاق ملكية الإمام فللإمام أن يفرض عليه الخَراج، كما قرّره الشيخ الطوسي! و إن كنّا غير مسؤولين فعلاً عن هذا الخَراج من الناحية العملية؛ لأجل أخبار التحليل التي رفعته بصور استثنائية مع اعترافها به نظرياً.
فالشريعة على الصعيد النظري إذن لم تعترف بالملكية الخاصة لرقبة الأرض إلاّ في حدود احترامها للملكيات الثابتة في الأرض قبل دخولها في حوزة الإسلام طوعاً و صلحاً.
و يمكننا بسهولة أن نجد المبرّرات السياسية لهذا الاعتراف، إذا ربطناه باعتبارات الدعوة و مصلحتها الرئيسية، بدلاً عن ربطه بالمضمون الاقتصادي للنظرة الإسلامية؛ لأنّ أولئك الذين أسلموا على أراضيهم طوعاً أو دخلوا في حوزة الإسلام صلحاً، كان من الضروري أن تترك المساحات التي عمروها في أيديهم، و أن لا يطالبوا بتقديمها إلى دولة الدعوة، التي دخلوا فيها أو انضمّوا إلى سلطانها، و إلا لشكّل ذلك عقبة كبيرة في وجه الدعوة و امتدادها في مختلف مراحلها.
و بالرغم من إعطاء الإسلام لهؤلاء حقّ الملكية الخاصة فإنّه لم يمنحها بشكل مطلق، و إنّما حدّدها باستمرار هؤلاء الأفراد في استثمار أراضيهم و العمل لإسهامها في الحياة الإسلامية، و أمّا إذا أهملوا الأرض حتى خربت فإنّ عدداً من الفقهاء كابن البرّاج([2]) و ابن حمزة([3]) يرى أنّها تعود عندئذٍ مِلكاً للأمّة.([4])
[1]. اقتصادنا، ص465.
[2]. المهذب لابن براج، ج1، ص182.
[3]. الوسیلة لابن حمزة، ص681.
[4]. اقتصادنا، ص۴۶۶.